حلِّل هذا النّصَّ تحليلاً
أدبيّا مسترسِلاً مُستعينًا بالأسئلةِ الموجِّهة:
✤ الـمَقَامةُ
الفَزَارِيَّةُ ✤
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: «كُنْتُ فِي بَعْضِ بِلاَدِ فَزارَةَ مُرْتَـحِلاً نَـجِيبَهْ وَقَائِدًا جَنِيبَهْ، تَسْبَحَانِ بِي سَبْحًا وَأَنَا
أَهُمُّ بِالوَطنِ [...]. فَظَلَلْتُ أَخْبِطُ وَرَقَ النَّهَارِ بِعَصَا التَّسْيَارِ، وَأَخُوضُ
بَطْنَ اللَّيْلِ بِـحَوَافِرِ الـخَيْلِ. فَبَيْنَا أَنَا فِي لَيْلَةٍ يَضِلُّ
فِيهَا الغَطَاطُ وَلاَ يُبْصِرُ فِيهَا الوَطْوَاطُ، أَسِيحُ سَيْحًا
وَلاَ سَانِحَ إِلاَّ السَّبْعُ ولاَ بَارحَ إلاَّ
الضَّبْعُ، إِذْ عَنَّ لِي رَاكِبٌ يَطْوِي إِلَيَّ مَنْشُورَ الفَلَوَاتِ.
فَأَخَذَنِي مِنْهُ مَا يَأْخُذُ الأَعْزَلَ مِنْ شَاكِّ السِّلاَحِ.
لَكِنِّي تَـجَلَّدْتُ. فَقُلْتُ: «أَرْضَكَ، لاَ أُمَّ لَكَ. فَدُونَكَ شَرْطُ الحِدَادِ وَخَرْطُ القَتَادِ [...] وَأَنَا سِلْمٌ إِنْ شِئْتَ وَحَرْبٌ إِنْ أَرَدْتَ. فَقُلْ لِي مَنْ
أَنْتَ». فَقَالَ: «سِلْمًا أَصَبْتَ». فَقُلْتُ: «خَيْرًا أَجَبْتَ.
فَمَنْ أَنْتَ؟». فَقَالَ: «نَصِيحٌ إِنْ شَاوَرْتَ، فَصِيحٌ إِنْ حَاوَرْتَ، ودُونَ اسْمِي لِثَامٌ،
لاَ تُـمِيطُهُ الأَعْلاَمُ، أَجُوبُ جُيُوبَ البِلاَدِ، حَتَّى أَقَعَ
عَلَى جَفْنَةِ جَوَادٍ، وَلِي فُؤَادٌ يَـخْدِمُهُ لِسَانٌ، وَبَيَانٌ يَرْقُمُـــــهُ بَنَانٌ، وَقُصَارَايَ كَرِيمٌ
يُـخَفِّفُ لِي جَنِيبَتَهُ وَيَنْفُضُ لِي حَقِيبَتَهُ، كَابْنِ حُرَّةٍ طَلعَ
عَلَيَّ بِالأَمْسِ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَغَرُبَ عَنِّي بِغرُوبِهَا. لَكِنَّهُ
غَابَ وَلَمْ يَغِبْ تَذْكَارُهُ، وَوَدَّعَ وَشَيَّعَتْنِي آثَارُهُ. ولاَ
يُنْبِئُكَ عَنْهَا أَقْرَبُ مِنْهَا». وَأَوْمَأَ إِلَى مَا كَانَ لِبْسُهُ. فَقُلْتُ: «شَحَّاذٌ وَرَبِّ الكَعْبَةِ أَخَّاذٌ، لَهُ فِي الصَّنْعَةِ نَفَاذٌ، بَلْ هُوَ فِيهَا أُسْتَاذٌ. يَا فَتًى،
قَدْ أَجْلَيْتُ عِبَارَتَكَ، فَأَيْنَ شِعْرُكَ
مِنْ نَثْرِكَ؟» فَقَالَ: «وَأَيْنَ كَلاَمِي مِنْ شِعْرِي؟». ثُمَّ اسْتَمَدَّ غَرِيزَتَهُ، ورَفَعَ عَقِيرَتَه بِصَوْتٍ مَلَأَ
الوَادِيَ. وَأَنْشَأ يَقُولُ:
عَرَضْتُ عَلَى نَارِ الْمَكَارِمِ عُودَهُ ✤ فَكَانَ مُعَمًّا فِي السِّـــــيَادَةِ مُـخْــوِلاَ وَخَـادَعْتُهُ عَنْ مَالِهِ،
فَخَدَعْـتُــــــــــــــــهُ ✤ وَسَاهَلْـتُــهُ عَــــــــــــــنْ بِـرِّهِ فَتَسَــهَّـــــلاَ وَلَمَّا تَـجَالَيْـنَا وَأَحْـمَدَ مَنْـطِــــــــــــــقِـي ✤ بَلاَنِيَ مِنْ نَظْـمِ القَرِيـضِ
بِـمَا بَلاَ فَمَا هَزَّ إِلاَّ صَارِمًا
حِينَ هَزَّنِــــــي ✤
وَلَـمْ يَلْقَـنِـي إِلاَّ إِلَى السَّبْــــــــقِ أَوَّلاَ.
فَقُلْتُ: «عَلَى رِسْلِكَ يَا فَتًى، وَلَكَ فِيمَا
يَصْحَبنِي حُكْمُكَ».
فَقَالَ: «الـحَقِيبَةُ بِمَا
فِيهَا». فَقُلْتُ: «إِنَّ وَحَامِلَتَهَا». ثُمَّ قَبَضْتُ
بِـجُمْعِي عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: «لاَ وَالَّذِي
أَلْـهَمَهَا لَمْسًا وَشَقَّهَا مِنْ وَاحِدَةٍ خَمْسًا، لاَ تُزايِلُنِي أَوْ
أَعْلَمَ عِلْمَكَ». فَـحَدَرَ لِثَامَهُ عَنْ وَجْهِهِ. فَإِذَا هُوَ، وَاللهِ، شَيْخُنَا أَبُو
الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ. فَمَا لَبِثَ أَنْ قُلْتُ:
تَوَشَّحْتَ أَبَـــــــا
الفَتْــــحِ ✤ بِهَذَا السَّــيْفِ
مُـخْـتالاَ فَمَا تَصْـنعُ بِالــسَّيْـــــــفِ ✤ إذَا
لَـــمْ تَـكُ قَـــتَّــــالاَ؟ فَصُغْ مَا أَنْتَ حَـلَّيْتَ ✤ بِـــهِ
سَيْفَـكَ خَلْـخَالاَ.
✤❦ رسائلُ أبي الفضلِ بديع
الزّمان الهمذانيّ وبهامشِها مقاماتُه، مطبعة هنديّة ❦✤
✤❦ ط4، مصر، 1928، صص: (64-68) ❦✤
✤ الشّرح المعجميّ:
* النَّجِيبَةُ: الفَرَسُ العَتِيقَةُ وَالكَرِيـمَةُ
الأَصْلِ. ✤ * الـجَنِيبَةُ: الفَرَسُ الَّتِي يَقُودُهَا الرَّاكِبُ
إِلَى جَنْبِهِ.
* التَّسْيَارُ: (مَصْدَرٌ)، الـمَسِيرُ أَوْ رُكُوبُ
الدَّابَّةِ. ✤ * الوَطْوَاطُ: جَـمْعُهُ وَطَاوِطُ، هُوَ الـخُفَّاشُ.
* أَسِيحُ: سَاحَ: جَرَى، جَالَ فِي البِلاَدِ، ذَهَبَ فِي الأَرْضِ. ✤ * السَّانِحُ: الَّذِي يَأْتِي مِنَ اليَمِينِ.
* البارِحُ: الَّذِي يَأْتِي مِنَ اليَسَارِ. ✤ * شَاكٍّ: شَكَّ فِي السِّلاَحِ: كَانَ يَلْبَسُ سِلاَحًا تَامًّا وَغَارِقًا فِيهِ.
* دُونَ ذَلِكَ خَرْطُ القَتَادِ: مَثَلٌ يُضْرَبُ لِرُكُوبِ الأَمْرِ
الشَّاقِّ. ✤ * الـجَفْنَةُ: القَصْعَةُ الكَبِيرَةُ.
* يَرقُمُ: رَقَمَ الكِتَابَ: بَيَّنَهُ وَأَعْجَمَهُ بِوَضْعِ النِّقَاطِ
وَالـحَرَكَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. ✤ * أَخَّاذٌ: سَاحِرٌ.
* أَجْلَيْتُ الأَمْرَ: فَهِمْتُهُ وَكَشَفْتُهُ. ✤ * الـمُعِمُّ: الكَرِيمُ الأَعْمَامِ. ✤ * الْمُخْوِلُ: الكَرِيمُ الأَخْوَالِ.
* سَاهَلَهُ: لاَيَنَهُ وَسَايَرَهُ. ✤ * تَـجَالَيْنَا: اِنْكَشَفَ كُلٌّ مِنَّا
لِصَاحِبِهِ. ✤ * بَلاَهُ: اِخْتَبَرَهُ وَامْتَحَنَهُ وَجَرَّبَهُ.
* إِنَّ: حَرْفُ جَوَابٍ، مَعْنَاهَا "نَعَمْ". ✤ * حَدَرَ الشَّيْءَ: أَنْزَلَهُ مِنْ عُلوٍّ إِلَى أَسْفَلَ. ✤ * تَوَشَّحَ بِالسَّيْفِ: تَقَلَّدَ بِهِ.
✤ الأسئلة الموجِّهة:
- مَا الأسَاليبُ البديعيّةُ الّتي سَيطرتْ علَى هذه الـمَقامةِ؟
- أدّى الشِّعرُ وظائفَ مَضمونيّةً وأُخرَى بلاغيّةً. ما هي؟
- ظهرَ الـمُكدِّي في صورةٍ جديدةٍ. حدِّدْها، وفسِّرْ اختيارَها.
- هل تَـجدُ الهمذانِيَّ يَفخرُ بنفْسِه؟ عَلِّلْ جَوابَك.
- لِـماذا طغَى الـحِوارُ على هذهِ الـمَقامةِ؟
- تَطرحُ الـمَقامةُ قضايَا أدبيّةً وأخلاقيّةً شَغلتْ عصرَ الهمذانِيّ. ما
هي؟
✤♣ عـمـــــلاً مُــــوفّــــــقًــــا ♣✤
|
هناك تعليق واحد:
شرح النص لو ممكن
إرسال تعليق