1-هلِ اكتفَى المتكلِّمُ بِمخاطَبٍ واحد على مدَى النّصّ؟
لمْ يكتفِ المتكلّمُ الشّاعرُ بمخاطَبٍ واحد في نصِّه هذا. فقدْ خاطَب أمَّه الميْتةَ في أغلبِ القصيدة استحضارا لها واستقواءً بها. وخاطبَ نفسَه مجازيّا على لسانِ الأمِّ الغائبةِ في السّطريْن الشّعريّيْن [15 و16]. فكانَ كأنّـما يُحيِي في عالمِ القصيدة مَنْ غيّبَها عالمُ الموت مبكِّرا.
2-حسَبَ أيِّ معيارٍ يمكنُ تقسيمُ النّصِّ؟
يجوزُ لنا تقسيمُ النّصّ حسَب معيار الحالاتِ النّفسيّة: فالقسمُ الأوّلُ [سطر1 إلى سطر7] موضوعُه الحنينُ إلى الأمّ الغائبة. أمّا القسمُ الثّاني [سطر8 إلى سطر32] فمدارُه الأملُ الواهمُ في استعادتِها. وأمّا القسمُ الأخيرُ [سطر33] فموضوعُه اليأسُ التّامّ مِن عودةِ الفقيدة إلى عالم الأحياء.
لقد تطوّرتْ حالةُ المتكلِّمِ النّفسيّةُ تطوّرا: سلبيّا (الهبوطُ مِن الحنين إلى الأملِ إلى اليأسِ) وسببيّا (الحنينُ أنتجَ الأملَ. والأملُ خابَ. فكان اليأسُ نتيجةً حتميّة للخيبةِ المرّة).
اِستعادَ الشّاعرُ، وهو يتذكّر أمَّه، ماضيا مديدا. فقد استحضرَ طفولتَه البعيدةَ، خاصّةً منها مشاهدَ حنانِ الأمومةِ (صدَى القبلات..) العزيزةِ على قلبِه. واستعادَ أيضا مشهدَ هجرتِه القسريّةِ مِن الوطنِ بسبب ملاحقة السّلطةِ المستبدّةِ له ولرفاقِه الملتزمين سياسيّا. ثمّ إنّ السّيّابَ استرجعَ ذكرى الوطن العراقيّ برمّتِه معبِّرا عن شوقِه إليه وحسرتِه على فراقِه.
لقد كان تذكُّرُ الأمّ قادِحا فتّحَ أبوابَ الذّاكرةِ الشّاعرةِ وأوقدَ جذوتَها وأحيَـى ما طواهُ النّسيانُ منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق